omarnasseer

الخميس، 17 ديسمبر 2020

آثار و نقوش نقب الهجر

 

آثار و نقوش نقب الهجر



... لم يكن بالامر السهل الحصول على كتاب 

رحلات في الجزيرة العربية عمان ونقب الهجر 

كل المحاولات اوصلتنى ان الكتاب مدفوع ولا يمكن تنزيلة مجانا  رغم الحاحي بالحصول على الكتاب توصلت الي رابط يقوم بتحليل  الكتب ووجدت الكتاب وما يهمني من الكتاب بالذات فقرة 

 "اثار نقب الهجر" التى لم يتحدث عنها اي عالم اثار او رحاله  على الاطلاق 

 ورغم ذلك سرد الذي وصف به رجال المنطقة من تقليل وشكوك وريبه  ولاكن تفنن في نقل السرد والمهمة الاستخباراتية الموكله له .





 James Raymond Wellsted)‏ (1805-1842)

والشي المذهل والغير عادي وجود طبعة وحيدة ونادرة صادرة من المانيا للكاتب  معروضة للبيع بمزاد علني للكتب ؟؟












مؤلف الكتاب الملازم أول 

ج. آر ويلستد (١٨٠٥- ١٨٤٢ م) الشاب الإنجليزي الطموح فقد كان يأمل في أن يحالفه الحظ في اختراق جزيرة العرب المجهولة من خلال مخططين اثنين رسمهما لنفسه. الأول كان الإنطلاق من مسقط و التوجه داخل جزيرة العرب حتى (الدرعية) قاعدة نجد.

 و المخطط الثاني كان من خلال مرافقة جيش محمد علي في بلاد عسير عام ١٨٣٥ م ثم التوجه نحو بلاد حضر موت الداخلية و واديها الشهير و المحرّم دخوله على الأجانب في ذلك الوقت. و على الرغم من اخفاق المؤلف في تحقيق أي من مخططيه بالكامل: إذ أنه لم يتمكن في انطلاقته من مسقط نحو الدرعية من تجاوز ما هو أبعد من بلدة (عبري)، كما لم ينجح في مسعاه الثاني بسبب تعثر حملة محمد علي في بلاد عسير. و على الرغم من كل ذلك إلا أن ما قدمه من وصف و معلومات عن المناطق التي تجول بها داخل عمان و على السواحل الجنوبية لشبه الجزيرة العربية و على امتداد الساحل الشرقي للبحر الأحمر تضمن الكثير من الإستكشافات الجديدة في عصره و بالتحديد فيما يخص مناطق عمان الداخلية و كذلك اكتشاف الكتابات الحميرية في منطقة نقب الهجر و ميناء حصن الغراب في بلاد الواحدي الواقعة غربي حضر موت.


ومن موقع من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة 

جيمس ريموند ولستد (بالإنجليزيةJames Raymond Wellsted)‏ (1805-1842)، رحالة، كان ملازم في البحرية الهندية، واحد الذين سافروا على نطاق واسع شبه الجزيرة العربية في 1830.

 ملازم ثان في شركة الهند الشرقية كان ضمن فريق سفينة المسح الشراعية بلينيويوس(Palinurus) والتي كانت بقيادة الكابتن روبرت مورسبي، وشارك ولستد في اجراء جزء من مسح مفصل لخليج العقبة والجزء الشمالي من البحر الأحمر في عام 1830.

 ثم عاد إلى بومباي في عام 1833،

وعين تحت قيادة الكابتن ستافورد بي هينز وأوكلت له مهمة مسح الساحل الجنوبي من الجزيرة العربية

في يناير 1834 عبرت سفينة بلينيويوس إلى سقطرى وقضى ولستد شهرين في الجزيرة. ونشر نتائج رحلته: "مذكرات في جزيرة سقطرى" (Memoir on the island of Socotra).

خلال أسفاره إلى البحر الأحمر وجزر سيال، وثق ولستد وجود الشعوب المعروفة باسم الهتيمي. ووصفها ولستد بأنها "توجد على سواحل الجزيرة العربية والنوبية"، وأنهم" ينزعون إلى الجبن في التصرف

 وممسوخي في الشكل والقذارة في عاداتهم". وقال أيضا بانهم جنس من الصيادين، يتواجدون في أجزاء مختلفة من الحجاز، مع "معسكرات كبيرة بالقرب الليث إلى الجنوب من جدة".[2]

في نوفمبر 1835، حصل ولستد على إذن من الإمام للسفر والترحال في عمان مع الملازم إف وايتلوك ( F Whitelock). 

وزار مناطق لم يسبق لأحد الأوروبيين قبله زارها أو سمع عنها. ونشر ولستد الرحلة في مجلة الجمعية الجغرافية الملكية. 

وفي فصل الشتاء التالي عاد ولستد ولكنه أصيب بالحمى و"في نوبة من الهذيان، أفرغ ولستد بندقيتة ذات الفوهتين في فمه، وأحدثت الطلقات الكروية الأثنتان جروح مروعة في الفك العلوي. ونقل على إثرها إلى بومباي ومنها عاد إلى لندن في إجازة. وتقاعد من الخدمة في عام 1839، وقضى جزء من الوقت بعد التقاعد من البحرية في العيش مصحة للأمراض العقلية. وتوفي في عام 1842 في منزل عائلته، الواقع في 12/13 شارع مارليبون في مرليبون.

قرأت مذكرات ولستد في الجمعية الجغرافية الملكية، وعلى الفور تم الاعتراف بها من قبل الأوساط العلمية في العالم. 

وانتخب ولستد زميلا في الجمعية الملكية في 6 أبريل 1837، وكان أيضا زميلا في الجمعية الفلكية. 

ولا سيما المشاركات الجغرافية والثقافية عن سلطنة عمان، ووصفه وصفا فريدا للمنطقة في ذلك التاريخ المبكر.







الفصل الخامس و العشرون نقب الهجر- قبيلة ذييب‏

في أثناء عملية مسحنا لساحل الجزيرة العربية الجنوبي، و على مقربة من برج يدعى (بلحاف) على رأس (رأس العصيدة) الرملي، و في خط العرض ١٣ درجة و ٥٧ دقيقة شمالا، و خط الطول ٧٥. ٤٦ درجة شرقا تقريبا، أخبرني البدو بوجود آثار كبيرة على بعد مسافة من الساحل و قالوا أن هذه الآثار شيدها الكفار و أنها موغلة في القدم. لهذا رغبت كل الرغبة في مشاهدتها، إلا أن الأيام التي بقينا فيها هناك مرت دون نتيجة سوى الوعود الفارغة من (حمد)، الضابط المسؤول عن البرج، بتزويدنا بالإبل و المرشدين. و في نهاية المطاف، انطلقت السفينة غربا و هي تتابع مسوحاتها.

في الصباح الذي غادرت فيه السفينة و كان اليوم التاسع و العشرون من (إبريل/ نيسان) سنة (١٨٣٥) أبلغت بأنني إذا مكثت هنا فإنهم سيوفرون الإبل في خلال ذلك النهار و سينقلوننا إلى مكان توجد فيها كتابات على مسافة بضع ساعات من الشاطئ. و على هذا الأساس بقيت مع السيد (كروتندن)، ضابط الصف البحري لسفينة (بالينوروس) و أحد قوارب السفينة.

و عند حلول الظهيرة وصلت الإبل، و عندها انتابتني الدهشة إلى حد ما إذ سمعت البدو يعلنون بعد جدال طويل عدم رغبتهم في المضي قدما إلى حيث توجد النقوش، لكنهم عبّروا عن استعدادهم لمرافقتي إلى الآثار التي كنت قبلئذ راغبا كل الرغبة في زيارتها. أما أنا فكنت غير راغب الآن في زيارتها، إذ لم تكن لدي أي هدايا أهديها إلى شيوخ مختلف القرى التي يتعين عليّ المرور بها كما أنه لم يكن بحوزتي سوى مبلغ ضئيل من المال. إلا أن الأمر الأكثر أهمية هو أن (حامد)- صمام أمننا الشخصي- نكث بوعده في مرافقتنا بحجة المرض.

على أية حال، كانت فرصة ينبغي عدم إضاعتها لرؤية البلاد، فقررت على الفور أن أضع نفسي تحت حمايتهم و السير و إياهم. و على هذا الأساس، أرسلت قاربي إلى السفينة مع‏

٢١٤

إيضاح يفيد بأنني أؤمل الوصول بعد ثلاثة أيام إلى قرية (عين) الساحلية حيث يمكن إرساله ثانية إلى هناك. و بعد أن ملأنا القرب بالماء في الساعة الثالثة من بعد الظهر، اعتلينا ظهور جمالنا و انطلقنا بصحبة بدوي كريه المنظر (يدعي أنه شقيق حامد) إضافة إلى بدوي أخر.

و بعد مغادرة (بلحاف)، كان الطريق يمتد على طول الساحل بالاتجاه الغربي. و شاهدنا قربه على الشاطئ الكثير من المحار المتعددة الأنواع. كما كانت تكثر العديد من قطع المرجان الأحمر و الأبيض. و عند أسفل أحد التلال المجدبة التي مررنا بها من جهة اليمين، أشار مرشدونا إلى بقايا برج قديم، لكن عند ما قبل لنا أنه لا توجد أي كتابات، و إن شكله من السفينة يبدو بناء عربيا، فإننا لم نمكث لمعاينته.

في الساعة الرابعة و الدقيقة الخمسين مررنا بقرية صيادين صغيرة تدعى (جلعه) تتألف من حوالي عشرين كوخ شيدت على نحو أخرق من سعف النخيل. و على امتداد الشاطئ، كان الصيادون قد أوقفوا قواربهم، حيث يسمح لهم دوما بالوقوف هناك إلا إذا كانت هنالك حاجة لاستعمالها. و كانت هذه القوارب لا تختلف من حيث صنعها عن أولئك القوارب التي وصفتها في أجزاء أخرى من الساحل.

في الساعة السابعة و الدقيقة العشرين، انحرفنا في سيرنا، و نحن نبتعد عن ساحل البحر، بين حزام عريض من التلال الرملية و توقفنا مدة ساعتين على بعد ثلاثة أميال عن قرية (عين الجويري)، فأرسلنا أحد أدلائنا إليها لتأمين تجهيزنا بكمية من التمور و هو الغذاء الوحيد الذي يهتمون بتوفيره لأنفسهم. و بعد عودته مباشرة، واصلنا سيرنا و في الساعة الحادية عشرة سمعنا نباح بعض الكلاب قويا و عاليا فعرفنا إننا سنمر بقرية (با معبد) (*). إلا أننا لم نشاهد أيا من السكان. و في الساعة الواحدة فجرا، توقفنا لقضاء ليلتنا.

كنا الآن في الأراضي التابعة لبدو (بني ذييب) (**) الذين كانت تخشاهم كل الخشية

____________

(*) في الأصل وردت عين أبو مبعث‏(Abu Mabath) و صوابه (عين با معبد) قرية معروفة و مشهورة بالمنطقة و أخطاء المؤلف في تصحيف الأسماء يتكرر كثيرا مما يشير إلى عدم معرفته بالعربية.

(**) قبيلة معروفة إلى اليوم و تنسب إلى حمير غير أننا نعلم من النقش السبي الشهير المعروف بنقش صرواح‏(R ,٥٤٩٣) و الذي يعود إلى القرن السابع ق. م. أنها و قبيلة (سبيان) كانتا تسكنان هذه المنطقة و هما مثالان يشهدان على ثبات قبائل الجزيرة العربية-

٢١٥

القبائل المحيطة بهم نظرا لما كانوا يعرفون به من عنف و أعمال نهب. و كانت بعض الجماعات الصغيرة المارة بهذه البقاع تنقطع بها السبل غالبا، لذلك حذرنا أدلاؤنا بأن تبقى عيوننا مفتوحة. و لكن بعد أن فرشنا عباءاتنا البحرية الكبيرة على الرمل، لم نقلق كثيرا لأي مخاوف من هذا النوع و نمنا نوما هانئا حتى صباح اليوم التالي.

يملك بدو (بني ذييب) مساحة واسعة من البلاد و أعدادهم غفيرة و قوتهم شديدة. و هم يختلفون من الناحية السياسية عن أي قبيلة أخرى أعرفها في شبه الجزيرة العربية معرفة شخصية أو عن طريق الرواة. و عوضا عن اختيار شيخ أو سلطان ليمثلهم، تراهم ينقسمون إلى سبعة أقسام يحكم كل قسم أحد الزعماء و يدعى (أبو) و يمارس ما يسمونه سلطة أبوية عليهم. و يجتمع هؤلاء الزعماء لمناقشة جميع القضايا المتعلقة بمصلحة القبيلة العامة و تنفذ قراراتهم بأغلبية الأصوات. و في بعض الحالات يكون هذا المنصب و راثيا، إلا أنه على وجه العموم يشغله أفراد تؤهلهم له حكمتهم و تجربتهم و شجاعتهم. و هناك بعض الممارسات الغريبة لا تزال قائمة بين بني ذييب تخص عمليات النهب التي تجري فوق أراضي بعضهم بعضا. و يكون ال (أبو) مسؤولا عن كل السرقات التي تحدث ضمن منطقته، و يقوم بتعويض الطرف الخاسر إذا كان الجاني غير قادر على التعويض. أما إذا كان اللص يملك ملكا، فإن ال (أبو) يطالب بالثلث لنفسه إضافة إلى قيمة الشي‏ء المسروق كعقاب إضافي و التعويض عن الخسائر الكثيرة التي يتكبدها خلاف ذلك. ولدى أبناء هذه القبيلة عدد قليل من الرماح و لا يملكون أي سيوف. و سلاحهم هو الخنجر و البندقية و الدرع. و الشي‏ء الآخر الذي يميزهم عن القبائل المجاورة هو قلة الملابس التي يلبسونها إضافة إلى خفة الإناث و تقلبهن.

الخميس، الثلاثون من إبريل/ نيسان: أيقظنا البدو في ساعة مبكرة و بعد شرب القهوة التي قاموا بإعدادها، نفضنا الرمال التي أوشكت أن تدفننا في الليل عن ثيابنا، و في الساعة الخامسة فجرا واصلنا ببطء سيرنا.

____________

- في مواطنها الأصلية و أن القبائل لا تهاجر عن بكرة أبيها من مواطنها الأصلية مطلقا و معلوم أن حمير ظهرت عام ١١٥ ق. م.

و بالتالي مهما أقدم منها بقرون. و هذه الحالة قلّ أن تجد لها في عالم اليوم عند الشعوب الأخرى نظيرا فدلني اليوم على قبيلتين لازالتا تقيمان في مواطنيهما الأصلي طوال (٢٧٠٠) ألفين و سبعمائة عام تقريبا.

٢١٦

في الساعة السابعة ارتقينا تلا يبلغ ارتفاعه أربعمائة قدم و استطعنا من فوق قمته أن نشاهد منظرا شاملا و كئيبا للبلاد المحيطة بنا. كان طريقنا يمتد بامتداد واد عريض بشكل كل جانب من جانبيه جذور أو حافات سلسلة عالية من الجبال. و في حين تمتد هذه شمالا، فإنها تقترب رويدا من بعضها فيصبح الوادي ممرا ضيقا. لكن من الجهة الثانية، تزداد عرضا المسافة التي تفصل بين موقعنا الحالي و البحر، كما يقطعها حاجز يبلغ عرضه حوالي ثلاثين ميلا فيشكل بذلك هضابا رملية واطئة مجدبة. و الرمال في هذا المكان غير متماسكة، حتى أن البدو أكدوا لي أنها تغير من ملامحها و تبدل من مواقعها حسب هبوب العواصف. و يثير الفضول كثيرا تراكم مثل هذه الكتل العظيمة من الرمال المتحركة، على هذا النحو المثير، فهي تبرز على شكل سلاسل حادة و تشبه حدوة الحصان، و يتجه الجانب المحدب فيها إلى جهة البحر. و عانت إبلنا صعوبات شاقة في اجتياز هذه المنطقة، كما حزن البدو كثيرا لأننا اضطررنا مرارا إلى التوقف بسببها. كانت كمية المياه التي تشربها الإبل هائلة و شاهدت في إحدى المرات أن مجموعة من أربعة أو خمسة قد أفرغت قربة ماء تتسع للعديد من الجالونات.

في الساعة الثامنة، وجدنا أن الشمس لا تطاق البتة فاضطر البدو إلى التوقف في واد ضحل تحت ظلال أشجار الطرفاء. و كان من شأن الأغصان القليلة لهذه الأشجار أن توفر ملاذا قليلا من حرارة أشعة الشمس الحارقة لو لم يلجأ أدلاؤنا إلى قطع جذورها بالخناجر و خفض أغصانها و وضعها فوق قمة الشجرة. و بعملهم هذا، فقد استولوا بهدوء على معظم المناطق الظليلة و تركونا ننتقل بأفضل ما نتمكن من السبل. و من خلال هذه التجاويف الحارقة، كانت أشعة الشمس تتركز و تسلط كأنها صادرة عن مرآة. أما الأعشاب المحيطة بنا فقد احترقت حتى بات لونها أسود. و لم تستطع أي سحابة الحيلولة دون ذلك. أما النسمات التي كانت تهب من حولنا متأوهة فكانت حرارتها متأججة كتلك الحرارة الصادرة عن فوهة فرن. حفر أدلاؤنا تجاويف في الرمال، و وضعوا أقدامهم المتقيحة فيها.

و على الرغم من عدم انقضاء فترة طويلة على استفادتنا من الدروس العملية التي علّمونا إياها، فإنني بدأت انزعج من تصرفهم الفظ. و كانت كل محاولة للتقرب منهم و التفاهم‏

٢١٧

معهم يقابلها رد جاف و منفر.

بعد ذلك بدءوا يتحدثون غالبا مع بعضهم بعضا على انفراد، و كان واضحا أننا كنا موضع حديثهم. كما أنهم لم يرفضوا قبول الماء إلا بكميات يعتقدون أنها كافية بل راقبوا أيضا حركاتنا عن كثب، حتى إنني وجدت ذات مرة صعوبة في تدوين الملاحظات أو رسم المخططات.

على الرغم من عدم توقع أي خطر، إلا أنه كان يستحيل ألا نشعر بأن وضعنا كان دقيقا حتما، إذا ما خدعنا هؤلاء الرجال. كنت أعلم أن سكان هذه المنطقة يكنّون العداء خاصة لأولئك الذين ينتمون إلى قبيلة أخرى، و إنهم أقدموا قبل بضع سنوات بقطع السبيل أمام طاقم قارب السفينة الوحيدة التي رست عند سواحلهم و ذلك بإغوائهم بوعود قطعوها لهم على الشاطئ. لهذا السبب لم أستطع إلا اتهام نفسي بالتسرع بالإقدام على هذه المغامرة دون أي ضمان بسلامتنا سوى الإخلاص الذي و عدونا به. و على أي حال، ليس هناك وقت طويل الآن للتفكير بمثل هذه الأمور. و قررت، دون إظهار أي تغيير أو عدم ثقة في سلوكي، بأن أراقبهم عن كثب، و ألا أغفل عن أي شي‏ء قد يتبين أنه لصالحنا.

في الساعة العاشرة و النصف واصلنا رحلتنا فوق نفس الهضاب الرملية كالسابق و في الساعة الواحدة و النصف اجتزنا تلا من الحجر الرملي يدعى (جبل مسيّه)، يؤلف القسم العلوي منه امتدادا ضيقا و يشبه الآثار، و لم نقتنع بأنه ليس كذلك إلا بعد عودتنا. ابتعدنا الآن عن الهضاب الرملية و عبرنا سلاسل مستوية ترتفع بمقدار مائتي قدم عن مستوى سطح السهول الممتدة تحتها، و تقطعها و ديان كثيرة و قيعان سيول مائية سابقة انحدرت من كلا جانبي الجبال. و كان سطح التلال يحتوي على مختلف القطع من الكوارتز و اليشب و كان بعضها ذو ألوان جميلة. و كانت الصخور الوحيدة التي شاهدنا في الوديان هي بعض الكتل الدائرية من حجر الكلس الأبيض البدائي على كلا الجانبين، و كان هذا النوع من الصخور هو الأكثر شيوعا على امتداد مجمل ساحل الجزيرة العربية الجنوبي.

بدأنا نشاهد الآن بعض أشجار الصمغ العربي التي بدأ حجمها يكبر أكثر فأكثر كلما

٢١٨

توغلنا أكثر في سيرنا. و في الساعة الرابعة عصرا هبطنا إلى (وادي ميفعه) و حططنا رحالنا قرب بئر ماء طيب المذاق. و كان التبدل الذي أحدثته الجرعات المائية القليلة في منتهى الغرابة. فقبل وصولنا، كانت الإبل تتعثر في كل خطوة تخطوها، و كانت أنفاسها سريعة مسموعة كما أظهرت أعراضا أخرى تدل على الإنهاك. أما عند وصولنا إلى الماء، فقد تقدمت منه بخطوات دائرية، و أخذت تستعيد حيويتها مع كل جرعة. و بعد أن أمضت ساعة في تناول الكلأ المؤلف من البراعم الصغيرة للأشجار المحيطة بنا، غادرت المكان و هي مفعمة بنفس النشاط الذي كانت عليه ساعة انطلاقنا من ساحل البحر. و على الرغم من حرارة النهار الشديدة، و طبيعة الطريق الشاقة، فقد يبدو غريبا أن هذه الحيوانات عانت كثيرا و هي تقطع مسافة لا تتجاوز الأربعين ميلا. على أي حال، الإبل في جزيرة العرب تختلف من حيث قوتها و سرعتها على نحو أكثر مما يعتقده المرء. كانت الحيوانات التي نمتطيها خلال هذه الرحلة تشبه تلك التي انطلقت بها في رحلتي من (عدن) إلى (لجج)، مثلما يشبه فرس صيد ماهر حصان عربة البريد في إنكلترا. و بينما كنا نزجي الوقت قرب هذه الآبار، أتى أعرابي بعدد من الثيران لشرب الماء. كانت حدبة الثيران تشبه حدبة الثيران الهندية، و كانت تشبهها أيضا في اللون و الحجم و طريقة نمو القرون.

كانت أشجار العرق لا تعد و لا تحصى، إلا أنها أطول و أكبر حجما و من نوع يختلف عن مثيلتها الموجودة على ساحل البحر. كانت الإبل تأكل هذه الأشجار الموجودة هنا بنهم إلا أنها لا تأكل من تلك القريبة من الساحل إلا إذا عضّها الجوع. و توجد هذه الأشجار في الجزيرة العربية و الحبشة و النوبة و أماكن كثيرة على امتداد سواحل البحر الأحمر و ساحل (سو قطرة) الجنوبي. و هي ذات ألياف خضر ذات رائحة زكية في بعض فصول السنة. و يصنع العرب المسواك من الأغصان الصغيرة الحجم و يبيعونها في مكة و مناطق أخرى من بلدان الشرق.

كما شاهدنا أيضا العديد من أشجار الطرفاء و الصمغ التي تتداخل أغصانها مع غيرها من الأشجار النامية في هذه البقعة. و في هذا الموسم تنمو لجميع هذه الأشجار البراعم و الفروع الصغيرة. و هكذا، فإن خضرة هذه الأشجار تمثل‏

٢١٩

راحة للنظر يصعب التعبير عنها بعد رحلتنا فوق الرمال المحرقة الكئيبة.

في الساعة الخامسة ركبنا إبلنا و واصلنا رحلتنا باتجاه الغرب و الشمال الغربي على امتداد الوادي. كان عرض الوادي ميلا و نصف الميل. و كان جانباه يوحيان بأنهما شكّلا ذات يوم قاع جدول ماء عظيم. كما أن المنطقة كلها بدأت تظهر بمظهر مغاير. فقد ظهرت للعيان العديد من القرى الصغيرة المنتشرة وسط بساتين النخيل الكثيفة و الحقول الخضر و قطعان الماشية، كما بدأنا نشاهد لأول مرة منذ رحيلنا عن ساحل البحر مجموعات من السكان. و كانت الدهشة ترتسم على وجوههم، و لكن بما أننا لم نتوقف، فإنهم لم تؤاتهم الفرصة لإشباع فضولهم و التحديق بنا فترة طويلة. و لكن أحد أفراد مجموعتنا تأخر عن بقية الركب للتعويض عن خيبة أملهم و أخبرهم بما يعرفه عنّا. و في إجابة عن الاستفسارات المألوفة: من نحن؟ أنحن مسلمون؟ ما طبيعة مهمتنا؟ قال لهم إننا كفار نتوجه لزيارة (نقب الهجر) بحثا عن الكنز. كما أخبر آخرين بأننا وصلنا إلى هنا لدراسة البلاد و الكتابة عنها رغبة في السيطرة عليها. حاولت بلا طائل أن أسكته لكنه ضحك مل‏ء شدقيه. أما مرشدونا، فقد تخلوا عنا حالما اقتربنا من القرية رغبة منهم في ألا يشاهدهم أحد برفقتنا أو لقضاء بعض أشغالهم. و قبيل غروب الشمس قفلوا راجعين و كنا نعد العدة للتوقف قرب إحدى القرى الصغيرة. و هنا وصلتنا رسالة من السكان تقول بأنهم لا يريدون منا أن نبقى قرب مساكنهم. و لم ينفع الاحتجاج أو المقاومة من جانبنا، في حين ظل مرشدونا متفرجين لا أكثر على ما يدور من حولنا دون بذل أي محاولة للتداخل. و نتيجة لذلك اضطررنا إلى الخضوع لإرادتهم.

بعد أن هبط الظلام تبين أن مرشدينا لا يملكون سوى فكرة قليلة عن الطريق، إذ ما أن سرنا ثلاثة أو أربعة أميال حتى وجدنا أنفسنا نتسلق السدود العالية التي تحيط بالحقول.

و كثيرا ما هوت الإبل و هي تعبر هذه السدود، حتى إن البدو فقدوا صبرهم و تركونا و مضوا في سبيلهم و لم يبق معنا سوى رجل عجوز و صبي صغير نتدبر معهما أمرنا. و ما كنت لأهتم كثيرا لو أنهم أخبروا الصبي بوجهتهم و هكذا أعددنا العدة لنتخذ لنا ملاذا وسط الحقول.

و لكن على نحو غير متوقع، صادفتنا امرأة عجوز وعدتنا دون تردد بعد أن أدركت وضعنا

٢٢٠

بأن ترشدنا إلى منزلها. فلحقنا بها مسرورين. و لكن بعد أن سرنا بعيدا عن الطريق لم نصل إلا عند حلول منتصف الليل.

وجدنا مرشدينا جالسين في أحد البيوت يدخنون و يشربون القهوة. و على الرغم من أن ذلك أثار حفيظتي كثيرا، إلا أنني كنت أدرك أن لا فائدة من الاحتجاج. لذلك أخفيت همي و كدري و تقدمت لتأمين مأوى لقضاء الليل. لكن جماعة كبيرة كانت قد وصلت قبلنا و احتلت كل بقعة في المنزل و انهمكت في التدخين و شرب القهوة.

بدا لي أننا وصلنا إلى ما يشبه الخان. و يوجد مثل هذا الخان عادة في مدن اليمن كما في أجزاء أخرى من بلدان الشرق. لهذا طلبنا من السيدة العجوز- التي لم تقل عطفا عند ما عرفت بأننا مسيحيون- بأن تبعد الإبل عن الفناء حيث نمنا عميقا حتى الساعة الثالثة فجرا- بعد وجبة لذيذة من الحليب و التمر- إذ استيقظنا على صوت المرشدين و هم يبحثون وسط حاجياتنا عن القهوة. ربما كان يتعين علي في أي وقت آخر أن أكون مسرورا و أنا أشهد السلوك الذي يفتقر إلى الكياسة عند ما أقدموا على خدمة أنفسهم بأنفسهم، علاوة على عدم الاكتراث الذي أبدوه في وضع الأسرجة أو السلال أو كل ما يقع تحت أيديهم فوقنا. لكن الرجال ليسوا في أفضل حال من المرح كي يستمتعوا بمزحة واقعية عند ما يستغلون فترة قصيرة من الراحة بعد تعب نهار. لهذا السبب و بنفس القدر القليل من الكياسة التي أظهروها لنا، رفضت السماح لهم بأخذ ما كانوا يفتشون عنه. و كما توقعنا فقد حنقوا حنقا شديدا لذلك، إلا أن سلوكهم ما كان ليزداد سواء عن ذي قبل إلا إذا لجأوا إلى العنف. و هنا لم اهتم إلا قليلا لمثل هذا الحنق.

الجمعة، الأول من مايو/ أيار: على الرغم من أن الظلمة كانت شديدة عند وصولنا إلى هذا المكان ليلة أمس، و أننا بسبب طبيعة الأرض التي مررنا بها لم نستطع إلا أن نلاحظ كثرة النباتات فيها، إلا أننا لم نكن مستعدين تماما للمشهد الذي انفتح أمام أنظارنا في وضح هذا الصباح. كانت الخضرة الداكنة لحقول الذرة و التبغ تمتد إلى أبعد نقطة يمكن أن تراها العين. و كانت تمتزج مع هذه الخضرة أشجار الصمغ و النخيل، إضافة إلى أصوات النواعير العديدة التي تروى الأرض بواسطتها، و هناك عدد من المحاريث التي تجرها الثيران. لقد

٢٢١

اجتمع منظر الناس المفعمين بالحيوية و الضاربة بشرتهم إلى الحمرة و هم يأخذون بالتوافد إلينا من كل حدب وصوب مع برودة هواء الصباح المنعش الجميل ليشكلا معا مشهدا لا يمكن لمن يحدق في الجانب المجدب من الساحل أن يتوقعه.

في الساعة السادسة صباحا ركبنا إبلنا، و بعد مرورنا بقرى (زخن) و (غريّه) و (جول الشيخ)، وصلنا قرية صغيرة أخرى توقعنا أن نلتقي فيها بالسلطان، إلا أننا وجدنا لفرحتنا الشديدة و بعد الاستفسار بأنه قد سافر في اليوم السابق إلى (حبّان)، و عندئذ واصلنا سيرنا إلى أمام.

أوقفنا العديد من الناس على قارعة الطريق و ألقوا علينا بتحيتهم العربية المهذبة. و كان يبدو عليهم الرضا التام و هم يستمعون إلى إجابات مرشدينا التي كانت مناسبة و تتلخص بأننا نريد رؤية السلطان لبعض الأمور. إلا أن رجلا واحدا فقط استطاع أن يتعرف إلينا في أثناء رحلتنا كأشخاص إنكليز. و كان هذا أحد مواطني (حضرموت) إذ كان قد سمع بالإنكليز في (صحار) و ظن إننا ذاهبون لشراء (حصن الغراب) من (عبد الواحد) (*).

في الساعة التاسعة اجتزنا (منصورة) و (صعيد) و وصلنا إلى (جول عقيل) إحدى أكبر القرى في هذه المجموعة. و بعد أن تركنا العديد من القرى الأخرى إلى شمالنا، بدأنا الآن نجتاز تلا يبلغ ارتفاعه مائتي قدم و يتكون من الحجر الرملي الضارب إلى الحمرة و من فوق قمة هذا التل، كانت الآثار التي نحن بصددها تشير إلينا. و عند ما قيل لنا بأن الأرض المحيطة بها تعج باللصوص، اضطررنا إلى التوقف في إحدى القرى لاصطحاب أحد سكانها معنا. و كما هو مألوف، فقد تركنا مرشدونا و أخذوا يبحثون عن ملاذ من الشمس الحارة بينما بدأنا بإعداد طعام فطورنا المؤلف من التمور و الحليب تحت ظل أي بقعة نجدها. كانت الشمس عمودية و لم توفر لنا جدران البيوت أي ظلال. و لما لاحظ السكان ذلك، أتى بعضهم إلينا و عرضوا علينا أن يضيفونا في بيوتهم بكل مودة. فوافقنا بسرور و سرنا وراء أحدهم. و على الفور قدمت القهوة لنا، و استطعنا بعد شي‏ء من الصعوبة و بعد

____________

(*) آل عبد الواحد حكام المنطقة منذ القرن العاشر الهجري نسبة إلى عبد الواحد بن صلاح بن روضان.

٢٢٢

وعد بالعودة في المساء إن أمكن، من منع مضيفنا من إعداد وجبة طعام لنا.

كانت هذه الحادثة، علاوة على حوادث أخرى وقعت لدى عودتنا، قد أقنعتني بأننا إذا ما توفر لنا مرافق جيد فإننا بعد اجتياز مضارب (بني ذييب) لن نلقى أي جفاء أو لا مبالاة من السكان.

٢٢٣

الفصل السادس و العشرون آثار و نقوش نقب الهجر

بعد مسيرة ساعة واحدة من آخر قرية مررنا بها، وصلنا إلى آثار (نقب الهجر). و بنظرة سريعة خاطفة اقتنعت بأن فحص هذه الآثار سيعوض كثيرا عن الإرهاق أو الخطر الذي واجهناه في الطريق إليها.

كان التل الذي تقع عليه الآثار يتوسط الوادي و يقسم جدول الماء الذي يمر من خلاله فترة الفيضانات على جانبيه. و يبلغ طوله حوالي ثمانمائة ياردة و عرضه الأقصى ثلاثمائة و خمسين ياردة. و يتجه طوله الأكبر من الشرق إلى الغرب. و ثمة واد يقطعه على نحو مائل، و هو واد ضحل يقسمه إلى قسمين متساويين تقريبا، يتسعان على نحو بيضوي. و في الثلث الأول من التل من جهة قاعدته ثمة سور عظيم يتراوح ارتفاعه بين ثلاثين إلى أربعين قدم و يلتف من حول التل و تحيط به أبراج مربعة الشكل شيدت على مسافات متساوية. و لا يوجد سوى مدخلين اثنين شيد كل واحد منهما إلى الشمال و إلى الجنوب. و ثمة برج مربع أجوف يبلغ عرض كل جانب من جوانبه أربعة عشر قدما عند كل جهة من جهات هذين المدخلين. و تمتد القواعد إلى السهل و تستمر إلى ماوراء المبنى كله. و توجد دكة مستطيلة بين الأبراج يبلغ ارتفاعها عشرين قدما عن سطح السهل و تبرز عن السور مسافة ثمانية عشر قدما. و يبدو أنه كانت توجد سلالم مرتبطة بكل جهة من جهتي المبنى على الرغم من أن أي دلائل تشير إليهما قد اختفت تماما. و هذه البقعة المستوية مسقفة بحجارة مسطحة ذات أبعاد عظيمة ترتكز فوق جدران مستعرضة.

و يبدو غريبا أننا لم نتمكن من ملاحظة ما يدل على وجود بوابات. فالمدخل الجنوبي انهار كثيرا في حين ظل المدخل الشمالي في حالة ممتازة تقريبا. و التخطيط المؤشر على الخارطة يوضح شكله و أبعاده على نحو أفضل من أي وصف.

٢٢٤

و في المدخل نفسه و على ارتفاع عشرة أقدام من المنصة وجدنا النقوش و الكتابات، و كانت منفذة بأقصى درجات العناية بخطين أفقيين على سطح حجارة المبنى الملساء، و كان طول الحرف الواحد ثمان بوصات. و يبدو أن محاولات قد بذلت لمحو هذه الكتابات دون نجاح يذكر. و من الموقع الظاهري الذي تحتله لا يبدو هناك أدنى شك في أن هذه الكتابات إذا ما فسّرت فإنها تحتوي على اسم مؤسس المبنى إضافة إلى التاريخ و الهدف من بنائه. هذا و قد شيد الجدار كله و الأبراج و بعض المباني الداخلية بنفس مواد البناء و هي عبارة عن مرمر ذي لون ضارب إلى الرمادي و تتخلله عروق سود و مهندم على نحو جميل جدا ليناسب الشكل المطلوب. و كانت أبعاد البلاط عند قاعدة الجدران و الأبراج يتراوح طولها بين خمسة أو ستة أو سبعة أقدام و ارتفاعها بين قدمين و عشر بوصات إلى ثلاثة أقدام و عرضها بين ثلاثة إلى أربعة أقدام. و يتضاءل حجم هذا البلاط على نحو منتظم حتى يصل القمة حيث لا يتجاوز عرضه نصف عرض البلاط السفلي و سمك الجدار لا يمكن أن يكون أقل من عشرة أقدام و عند القمة حوالي أربعة أقدام على الرغم من إنني لم أعمد إلى قياس ذلك. و على الرغم من عدم انتظام أساسه، إلا أن الحجارة وضعت بنفس الخطوط المستقيمة و استخدام الملاط لتثبيتها و اكتسب صلابة شديدة توازي تقريبا صلابة الحجارة. إن مثل هذه الأجزاء من الجدار التي ظلت شامخة قد بنيت بعناية فائقة.

أما الأجزاء الأخرى، و بسبب تداعي قواعدها، و ميلها إلى السقوط، إلا أنها لا تزال ثابتة دون كسر. أما الأجزاء المتداعية فقد تناثرت من حول المكان بكتل ضخمة دون أن تتكسر. و لا توجد فتحات في هذه الجدران و لا أبراج صغيرة مستدقة في الجزء العلوي، فقد كانت كلها ذات مظهر موحد ثابت و صلب. و لمنع السيول القادمة من الجبل، التي تترك على الأراضي المحيطة دلائل واضحة على سرعة مجراها، من اكتساح قاعدة التل، فقد شيدت دعامات دائرية الشكل في ذلك الجزء و جرى تغليفها بحجارة أشد صلابة. و إذا كانت حجارة التغليف قد اختفت فإن الدعامات لا تزال باقية.

لنقم الآن بزيارة إلى داخل المبنى حيث يتمثل أبرز ما فيه ببناء مستطيل الشكل تواجه جدرانه الجهات الأصلية. و يبلغ قياس الضلع الأكبر منه المواجه للشمال و الجنوب سبعة

٢٢٥

أطلال نقب الهجر

٢٢٦

و عشرون ياردة، أما الضلع الأصغر المواجه للشرق فيبلغ سبع عشرة ياردة. و قد كسيت الجدران بما يشبه الحجارة السلسة متساوية الأحجام و مرصوفة على نحو بالغ الجمال حتى أنني حاولت أن أدخل نصل سكين صغيرة فيها، لكن دون جدوى. أما السطح الخارجي غير المصقول فمغطى بعلامات منقوشة صغيرة ظن البدو مخطئين أنها كتابات.

و من خلال العناية الفائقة الواضحة في تشييد هذا المبنى، أدركت بلا ريب أنه معبد، و كانت خيبة أملي كبيرة جدا عند ما وجدت الجزء الداخلي منه و قد امتلأ ببقايا السطح المنهار. و لو ظل السطح سليما لاستطعنا الحصول على دليل يرشدنا في أبحاثنا بخصوص الديانة التي كان يدين بها العرب الأولون. و فوق هذا المبنى و وراءه ثمة مبان عديدة أخرى و ليس فيها ما يميزها من حيث الشكل أو المظهر. و في منتصف المسافة تقريبا بين البوابتين، يوجد بئر دائري يبلغ قطره عشرة أقدام و عمقه ستون قدما، و كسيت جدرانه بحجارة غير مهندمة. كما شيد جدار أسطواني الشكل يبلغ ارتفاعه خمسة عشر قدما من حوله يفيد أمّا في حمايته من أشعة الشمس أو في نقل الماء.

و على الهضبة الجنوبية لم نتمكن من العثور على أي مكتشفات حيث لا شي‏ء سوى كتل غير متميزة من الخرائب. أما داخل المدخل الجنوبي، و على نفس مستوى المنصة الوارد ذكرها آنفا، ثمة دهليز يمتد مسافة خمسين ياردة و يبلغ عرضه أربعة أقدام محمي من الجهة الداخلية بحاجز حجري، و من الجهة الخارجية بالجدار الرئيسي. و لم أستطع التأكد من الهدف الذي أنشئ من أجله. كما لم نتمكن في أي جزء من هذه الآثار و الخرائب من ملاحظة أي بقايا للأقواس و الأعمدة، و لم نستطع أيضا أن نكتشف على سطوح هذه الآثار أي كسر فخارية أو زجاج ملون أو معادن كالتي تكثر دوما في المدن المصرية أو كالتي اكتشفناها في ساحل شمالي غربي الجزيرة العربية. و فيما خلا المحاولات التي لا حظتها سابقا لإزالة آثار الكتابات، فإنه لا يوجد ما يدل على تعرض المبنى لأي أعمال تخريبية باستثناء عوامل الزمن. و بسبب المناخ الجاف، و صلابة مواد البناء، فإن كل الحجارة، بل حتى العلامات النقشية، ظلت باقية ممتازة منذ اليوم الذي نحتت فيه. إننا بطبيعة الحال نتوق إلى التأكد فيما إذا كان العرب قد احتفظوا بأي تقاليد تخص مبانيهم، إلا أنهم يعقدون‏

٢٢٧

الصلة بينها و بين غيرها من المباني التي صادفناها و ترجع إلى أجدادهم الوثنيين. و هنا قال لي أحد البدو عند ما أخبرته بأن أجداده كانوا يقومون بأعمال أعظم من تلك التي يقومون بها هم أنفسهم الآن: «أتعتقد أن هذه الحجارة قد رفعت دون مساعدة الكفار؛ لا، لا. لقد كان لديهم شياطينهم، فيالق من الشياطين التي تساعدهم (حمانا الله منهم!)». و تلك خرافة أيده فيها بقية البدو عموما.

كان أدلاؤنا يسيرون وراءنا عند ما كنا نتجول بين الآثار و يتوقعون الحصول على غنائم ذهبية لأنهم كانوا مقتنعين بأننا ما جئنا إلى هذا المكان إلا لاكتشاف الذهب. و عند ما لا حظوا إننا لم ننجح في البحث، اقنعوا أنفسهم بفكرة أننا لم نستطع الحصول على الذهب من الأرواح التي ظلت، حسب اعتقادهم، في حالة مراقبة دائمة.

إن آثار (نقب الهجر) (*) لا تمثل حسب رأيهم أكثر من مجموعة من الخرائب المحاطة بسور. بيد أن ضخامة الحجارة المستعملة في البناء و معرفتهم التامة بفن البناء، و هو ما أظهره أسلوب و طريقة رصفها مع بعضها بعضا، و كذلك الأبراج و المساحة الواسعة كلها تضفي عليها أهمية كبرى. ففي هذا المكان من الجزيرة العربية، حيث بقايا العمارة نادرة جدا كما هو معروف، يكون مظهر هذه الآثار مثيرا جدا للاهتمام. كما يبدو واضحا أن هذه الآثار موغلة في القدم (و يمكن للكتابات أن توضح مدى قدمها)، و ذلك من خلال شكلها العام وحده الذي يشبه كثيرا مباني مشابهة وجدت وسط الآثار المصرية. ففي هذه الآثار توجد نفس الاتجاهات الموجودة في المدن المصرية في بناء الجدران و نفس الشكل في بناء المداخل كذلك نفس السطح المستوي المشيد بالحجارة. إن موقع (نقب الهجر) و أسلوب تنفيذ القسم الداخلي منها، يبدو و هو يشير إلى أنه كان يستخدم مستودعا للذخيرة و حصنا. لهذا السبب أعتقد أن في وسعنا الاستنتاج بأن (نقب الهجر) و القلعة الأخرى التي‏

____________

(*) يقع الموقع المعروف في النقوش بميفعة على بعد نحو ٣٢٠ كم شرقي عدن و على الوادي الذي يحمل نفس الاسم اليوم (وادي ميفعة) و قد زار هذا الموقع العديد من المستكشفين و الباحثين بعد زيارة المؤلف و زميله كروتندن، لعل من أهمها ما قامت به البعثة الفرنسية عام ١٩٨٢ حيث صورت الموقع و ما به من نقوش و مبان و قدمت وصفا منفصلا للموقع مما يشير إلى أنه كان مدينة محصنة تحصينا جيدا رغم قلة المباني داخلها و قد يوحي ذلك إلى أن السكان يشتغلون بالزراعة خارج المدينة و يلجؤون إلى التحصن في المدينة في حالات الخطر و أوقات الحروب و يرجع تاريخ النقوش المكتشفة في الموقع إلى القرن الثاني أو الثالث ق. م.

٢٢٨

اكتشفناها قد شيدا خلال فترة زمينة عند ما كانت التجارة من الهند تتدفق إلى الجزيرة العربية في طريقها إلى مصر و منها إلى أوروبا. و هكذا فإن بلاد العرب السعيدة التي كانت تضم اليمن و سبأ و حضرموت تحت حكم السبئيين أو الحميريين العظام اكتسبت هذه الكنية التي يستحق لها أن تفخر بها.

إن تاريخ هذه الأقاليم يكتنفه قدر كبير من الغموض غير أن (أغاثار شيدس) (*) في الفترة السابقة للعصر المسيحي يشهد على ثراء السبئيين و رفاهيتهم و يعزز رأيه هذا المؤلفون اللاحقون. إن هذا القوم و قبل أن تصبح (مأرب) عاصمتهم سيطر على مجمل حدود الجزيرة العربية الجنوبية. و نحن نعرف أنهم زرعوا المستوطنات في أماكن تسهل التجارة و تعزز مؤسساتهم.

لم تكن التجارة مقتصرة على طريق واحد بل على العكس من ذلك نحن نعلم و منذ عهد مبكر بوجود العديد من المدن المزدهرة الواقعة على ساحل البحر أو بالقرب منه. إننا لا نعلم شيئا عن الأجزاء الداخلية من هذه البلاد المدهشة، إلا أن هناك أسبابا تدفعنا إلى الاعتقاد، كما هو الحال مع (نقب الهجر)، بأن هذه القلاع لا تشير إلى الطرق التي كانت تسلكها القوافل في السابق فحسب، بل و تشير أيضا إلى الطرق الطبيعية في وسط الجزيرة العربية.

و الكتابات التي و اتاني الحظ في العثور عليها سوف تخلق اهتماما كبيرا وسط المثقفين.

ففي الوقت الذي ندم فيه (بركهاردت) على غياب المعلومات ذات الصلة بأصل المؤسسات المدنية عند البدو، فإنه يلاحظ بأن «اكتشاف النصب القديمة و الكتابات في نجد و اليمن قد يؤدي إلى الكشف عن الكثير من الحقائق التاريخية المختصة بهذا الموضوع». و في الزمن الذي انزل فيه (القرآن الكريم) كان نوعان من الكتابة يستعملان في الجزيرة العربية و هما الكتابة الكوفية و هي الكتابة التي دون بها القرآن و تعبر عن لهجة قريش و الحميرية التي كان يستعملها أهل اليمن. و قد فقدت الكتابة الثانية و لا ادري على أي من الأسس خمّن بعض فقهاء اللغة أنها ذات صلة قريبة من الكتابة الحبشية. لكن عند ما

____________

(*) عالم اغريقي ولد عام ١١٦ ق. م.

٢٢٩

ظهر القرآن الكريم بالخط الكوفي صعب على أهل اليمن قراءته بها (*). و مما يدعو إلى الأسف أننا لا نملك أي كتابات من البلاد التي يمكن أن تقرر هذه النقاط. و قد صب (نيبور) اهتمامه عليها على الرغم من أنه لم يستطع خلال إقامته هناك الحصول على أي منها. و قد عرضت عليه بعض الكتابات في (المخا) و كانت استنسخت على بعد مسافة من الساحل، إلا أن مرضه جعله يدرك أنه كان أكثر اهتماما بالأفكار الخاصة بالغاية النهائية و ليس رغبته في استنساخ كتابات مجهولة. بيد أنه يخمن من خلال الذكريات ليس إلا بأنها قد تكون فارسية أو أن حروفها تتميز برؤوس مدببة تشبه السهام. إلا أنه لا يمكن ملاحظة أي شبه بينها و بين الكتابة التي عثر عليها (سيتزان) في طريقه إلى (صنعاء) و لا حتى بينها و بين أي كتابة أخرى ذكرتها. و بسبب الموقع الذي وجدت علية الكتابة الأخيرة، و لأسباب أخرى، فإنني أملك الجرأة على القول بأنها هي و الكتابة التي اكتشفناها عند (حصن الغراب) إنما هي الكتابة الحميرية المفقودة. و إذا ما ثبتت صحة ذلك فإن التشابه مع الكتابة الأثيوبية ليس حدسيا طالما يمكن ملاحظة التشابه التام في العديد من الصفات.

إنني لست عليما بأدب الشرق على نحو يمكنني من متابعة الموضوع متابعة أكبر، و الملاحظات الوارد ذكرها أعلاه أقدمها على حياء. و قد تم تصوير هذه الكتابات و أرسلت إلى (جيسينيوس) في مدينة (هال) و في الوقت الذي تشغل فيه كل اهتمامه، فإننا نستطيع أن نأمل بأن النتيجة ستكون تفسيرا ناجحا.

إن (نقب الهجر) تقع في الجهة الشمالية الغربية على مسافة ثمانية و أربعين ميلا في قرية (عين) التي تبدو مؤشرة على الخارطة عند خط العرض ١٤ درجة و دقيقتين شمالا و خط الطول ٤٦ درجة و ٣٠ دقيقة شرقا تقريبا. و تتوسط واد عظيم يطلق عليه سكان المنطقة اسم (وادي ميفعة) الذي يعد بسبب خصوبته أو سكانه أو سعته أبرز الملامح الجغرافية التي تم لنا اكتشافها حتى الآن على ساحل الجزيرة العربية الجنوبي. و يبلغ طول الوادي من بدايته عند ساحل البحر و حتى بلدة (حبّان) خمسة و سبعين ميلا أي ما يقارب مسيرة أربعة أيام.

____________

(*) كيف يكون ذلك، فالخط الكوفي تطور على يد اليمنيين الذين سكنوا الكوفة لأن ذلك الخط كان يقسم بالتربيع المعروف في خط المسند اليمني المألوف لديهم كما أن لغة عرب الشمال كانت قد انتشرت في اليمن منذ القرن الثاني الميلادي و شاع استعمالها باستقرار قبلائل كندة و قد حج و الأزد و قضاعة و مراد و غيرها في كل أنحاء اليمن منذ نهاية القرن الثالث الميلادي.

٢٣٠

أما فيما وراء هذا الحد، فإنني لم أتمكن من تحديد طوله. و تقول مختلف السلطات المحلية بأن المسافة كلها تستغرق خمسة إلى سبعة أيام إضافية أخرى. و المنطقة تكثر فيها القرى الصغيرة و الأراضي الزراعية. و في خلال سيرنا مسافة خمسة عشر ميلا أحصينا ما يزيد عن ثلاثين قرية يضاف إلى ذلك العديد من البيوت المتفرقة المنفردة.

أما بساتين النخيل فتزداد عددا كلما اقتربنا من ساحل البحر في حين تتناقص مساحات الأراضي الزراعية. و هناك بعض القرى التي تحتوي كل واحدة منها على ما يزيد عن مائة أو مائتي بيت، و هي بيوت متشابهة في شكلها و مشيدة بنفس مواد البناء (الآجر المشوي بالشمس) كما هو الحال مع البيوت الواقعة على ساحل البحر. و لم أشاهد أي أكواخ، كما لا توجد أي بيوت مشيدة بالحجارة على الرغم من أن العديد من القرى تحتوي على أكثر من مسجد و ثلاثة أو أربعة أضرحة للأولياء.

و يبدو أن اهتماما قد انصرف في هذه المنطقة إلى الحرف الزراعية أكثر مما هو عليه الحال في الأجزاء الأخرى من الجزيرة العربية التي شاهدتها حتى الآن. الحقول محروثة على نحو منتظم و دقيق يرضي الفلاح الإنكليزي. و يقوم الفلاحون بتخليص التربة من الحجارة القليلة المنتشرة عليها و يسقونها صباحا و مساء على نحو كثيف من الآبار العديدة. و يتم سحب المياه باستخدام الإبل (و هذا شي‏ء غير مألوف، لأنها قلما تستخدم كحيوانات للسحب في أي جزء من بلاد الشرق)، و يتم توزيعها على سطح الأرض على امتداد سداد مرتفعة. و يتم الاحتفاظ بكمية كافية من هذه المياه داخل السدود عند ما يمتلئ جدول الماء و يغمر قعره. و عندئذ قد تكتسح هذه المياه الأشجار، بل و حتى البيوت في بعض الأحيان، لكن هذا الضرر يعوض عنه الطين المترسب الذي يمتاز بدرجة إنتاجيته العالية المقاربة لإنتاجية النيل في مصر على الرغم من أن ذلك الطين ذي لون فاتح و طبيعة أشد صلابة. أما فيما وراء ما شاهدته، فلا تزرع أي فواكه أو محاصيل زراعية.

بعد أن ذكرت كل الملاحظات الضرورية عن الآثار و المناطق المحيطة بها، بدأ البدو عند اقتراب المساء يطالبون متذمرين بالرحيل. و في الساعة الرابعة عصرا، انتهينا في وضع الحمولة على الإبل، و بدأنا رحلتنا حتى غروب الشمس تقريبا حيث توقفنا عند إحدى القرى.

كان استقبالنا في تلك القرية مغايرا جدا للاستقبال الذي حظينا به في القرية الأولى في‏

٢٣١

رحلتنا من البئر. و على الرغم من تجمهر ما يقرب من خمسين رجل من حولنا، إلا أن فضولهم، الذي ازداد بسبب ما شاهدوه، ظل ضمن المقبول. و كانت الأسئلة التي وجهوها لنا بخصوص رحلتنا تنم عن كياسة أذهلتنا و أثارت إعجابنا. و قدموا لنا الحليب و الماء و الحطب دون أن نطلب ذلك و لم نستطع مكافئتهم إلا بعبارات الشكر. و قد ندمت أشد الندم لأنني في هذه المناسبة لم يكن معي أي هدايا كان من الممكن أن تكون تذكارا لإقامة الرجل الإنكليزي المؤقتة بين ظهرانيهم. إن انطباعا مختلفا كان ممكنا لنا أن نتصوره عن هؤلاء الناس لو أننا أخذنا فكرة عنهم من مرشدينا أو من زيارتنا الأولى.

السبت، الثاني من مايو/ أيار: بعد وقت قليل من منتصف الليل بدأنا رحلتنا حتى الساعة الرابعة فجرا، و عند ما أدركنا بأننا أضعنا معالم طريقنا توقفنا في انتظار ضوء النهار. في هذه الأثناء بدأ الندى يتساقط و كانت درجة الحرارة ٥٨ فهرنهايت. كان الجو باردا جدا و سررنا كثيرا و نحن نغطي أنفسنا بعباءاتنا.

في الساعة الثامنة توقفنا مرة أخرى عند البئر لمل‏ء قربنا قبل أن نجتاز الهضاب الرملية، و من ثم واصلنا سيرنا. و من الساعة التاسعة صباحا و حتى الساعة الواحدة و النصف و اجهتنا درجة حرارة لم يسبق لي أن عشتها. كان الهواء ساكنا تماما و كان و هج الرمال الأبيض لا يطاق. و في الساعة الثانية بلغ إعياء المرشدين اشده مما اضطرنا إلى التوقف في بساتين النخيل قرب (عين با معبد) حيث توجد قرية صغيرة و بعض ينابيع الماء الصافي، مساحتها خمسة عشر قدما و عمقها ثلاثة أقدام.

في الساعة السابعة وصلنا إلى الشاطئ، و واصلنا سيرنا حتى أصبحنا قبالة السفينة. على أي حال، كان الأوان قد فات للتأشير إلى أولئك الموجودين على ظهرها لإرسال قارب لنا.

علاوة على ذلك، كنت تواقا، من خلال ما سمعته من البدو الذين كانوا معنا، إلى تأجيل رحيلنا حتى الصباح. و إذا ما حدث أي اضطراب فإن من الأفضل أن يحدث ذلك عند الصباح و ليس في أثناء الليل. لهذا السبب حططنا رحالنا وسط تلال رملية حيث في وسعنا إضرام نار دون أن نخشى أن يراها أحد على سطح السفينة.

لو كنا نشعر بالإرهاق، فلذلك سببه. كنا على بعد سبعين ساعة من محطتنا في (بلحاف)، أمضينا أربعين ساعة منها على ظهور إبلنا. و كان في الإمكان قطع كل المسافة

٢٣٢

البالغة مائة و عشرين ميلا بنصف تلك المدة لو كانت لدينا جمال سريعة. إضافة إلى ذلك فإن سيرنا البطي‏ء خلال حرارة الجو القائظ في هذا الفصل هو الذي شكل الجزء الأكثر إرهاقا من رحلتنا.

الثالث من مايو/ أيار: بعد أن اكتشفت السفينة أمرنا في ساعة مبكرة من هذا الصباح، أرسل إلينا قارب على الفور و بعد أن ازدادت قوتنا بوجود طاقمها، سوينا أمورنا مع البدو دون مطالب إضافية و في غضون دقائق قليلة أصبحنا على ظهر السفينة حيث تلقينا التهاني بسبب عودتنا. و قد راودت طاقم السفينة الكثير من المخاوف على سلامتنا عند ما عرفوا بأن (حمد) لم يرافقنا في رحلتنا.

و لم نقدر مدى المخاطرة الكبرى التي تعرضنا لها في رحلتنا إلا بعد فترة من ذلك. فبعد أن أدرك (بنو ذييب) أننا قد مررنا بأراضيهم، انتظروا عودتنا على أمل أن نسلك نفس الطريق. إلا أن السفينة توقفت في محطة ثانية على بعد عشرين ميل غربي المحطة الأولى، ولدى تلقي الأخبار عدنا إليها بطريق آخر مباشر. و يمكن تصور فكرة الاستقبال الذي قدّر لنا من خلال هذه الحادثة بعد بضعة أيام، كان أحد قواربنا راسيا بالقرب من الشاطئ.

و ظهرت مجموعة من أبناء هذه القبيلة و سددت بنادقها عليه و أطلقت النار. فرد المسؤول على الفور إلّا أن أحدا لم يصب.

إن النجاح الذي لقيته رحلتنا القصيرة إلى الداخل سيثبت أنه إغراء للآخرين كي يتابعوا أبحاثنا. و لو كنت في وضع مختلف لتوجهت إلى (حبّان) على الطريق الذي تقع فيه قرية (عزّان) و آثار تساوي في عظمتها آثار (نقب الهجر). و لكن بصرف النظر عن هذه النصب القديمة- التي تكفي في حد ذاتها للتعويض عن المغامرة- فإن طبيعة السكان و أوضاعهم و حرفهم و إنتاج البلاد و مصادرها الطبيعية و طبيعتها تشكل موضوعات مثيرة للاهتمام و من شأنها بلا شك أن تشبع فضول كل أوروبي يريد زيارتها.

و لاستمرار البحث، لا أعتقد أن هناك ما هو أكثر ضرورة لأي فرد من رسالة موجهة من الحكومة البريطانية إلى شيخ (حبّان)، و هناك يمكن توفير أحد الحرس لمرافقته من ساحل البحر و من هناك يستطيع الذهاب إلى الشيخ التالي برسالة مماثلة.

إن مثل هذا الشخص إذا ما انتحل صفة المسلم أو الطبيب و ضحى بكل أنواع الراحة الأوروبية، فإنه يستطيع بلا أدنى ريب أن يتغلغل إلى أعماق هذه البلاد المدهشة.

ومن خلال البحث في مدونه   DASI  تبين ان النقش موثق في المدونه الشهيرة وتحدث عن الكتابة التي تدل على من بنى الحصن ويعود لمن .

نقش نقب الهجر يعتبر ثاني نقش في اليمن تم إكتشافه ونشره ، ويحمل الرمز نقب الهجر 2
وهذا نصه ثم المحتوى :
[1] هبسل/بن/شجب/قتدمم/بنى/جنأ/ميفعت/وخلفث/بنم/وعظم/وفتلم/ومبني/أبيت/علـ
[2] أهي/جنأثهن/بنم/سنم/أدم/نعيم/و ودأ/وعلى/ذ جنأ/بن/صدق يديع
المعنى كمايلي :
هبسال بن شجيب تقدم أعمال بناء سور وبوابة مدينة ميفعة وذلك بإستخدام الأحجار والخشب والطوب وقام بإكمال بناء بوابات وسور المدينة من الأساس حتى القمة ...
رابط النقش في مدونة DASI







20/12/2020 
omarnasseer

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق